ظلت التجارة البحرية تجارة هامة طوال العصور القديمة.وكانت قرطاج قوة بحرية كبيرة تمتاز بأسطولها الحربي وأسطول النقل لديها. فآثار موانئ قرطاج وقليبية (قديما قلوبية) وحضرموت وتابسوس ومهدية وجيكتيس تشهد على أهمية نشاطها البحري آنذاك والذي أفل إثر الغزو الوندالي.
لكن ما فتئت تلك الحركية تنهض عند استلام المملكة الحسينية مقاليد الحكم حيث انقرضت القرصنة بعد إضعافها. بيد أنّ المبادلات عبر البحر كانت ضئيلة لأن الموانئ التونسية لا تتماشى مع المتطلبات القليلة للمساحلة، أي الإبحار بين مرفأين إثنين بواسطة مراكب شراعية صغيرة الحجم وضعيفة بسبب عمق الغاطس لديها.
وأنشئت بعض الأرصفة غير العميقة بكل من بنزرت وبورتو فارينا (غار الملح حاليا) وحلق الوادي وسوسة وصفاقس، لكن سرعان ما أصبحت غير قابلة للاستعمال من جرّاء تراكم الرمال فيها بسبب انعدام الصيانة. وكانت تستخدم تلك الأرصفة لإرساء المراكب الصغيرة التي تنقل البضائع المشحونة داخل السفن الراسية في عرض البحر.
وتجدر الإشارة إلى أهمية كل من ميناء بورتو فارينا وحلق الوادي على المستوى الحربي والتجاري طوال عهد البايات.
وحريّ بنا ألا ننسى المكانة البحرية الرّئيسية للقطر التونسي التي كان يتبوؤها ميناء حلق الوادي في أوائل القرن التاسع عشر. ففي عهد حمودة باشا الموافق لنهاية القرن الثامن عشر، تمّ الشروع في بناء الأرصفة والحوض القديم لتهيئة المساحة التي يتطلبها تشييد الميناء.
وبنيت مخازن حلق الوادي في عام 1835، بينما أنجزت الورشات الخاصّة بالآلات والحدادة والمسابك في عام 1860.
ولما انتصبت الحماية الفرنسية، تولت الإدارة العامّة للأشغال العمومية دراسة موضوع إنشاء موانئ تتماشى مع نمو المملكة.
وفي عام 1886، تمّ القيام بحملة جرف بميناء بنزرت القديم.
وانطلقت عام 1888 الأشغال على مستوى ميناء تونس الحاضرة ليصبح هذا الأخير صالحا للتجارة البحرية بداية من يوم 28 ماي 1893. وهكذا نشأ ميناء تونس العاصمة على مسافة تسعة كيلو مترات من الأراضي الآهلـة.
وبمدينة سوسة، تولت الدولة ما بين 1885 و1893 بنـاء رصيف للإرساء من فئة مترين ونصف يبلغ طوله مائتا متر وكذلك إنجاز ممرّ مائي للدخول.
وفي 17 فيفري 1890، منح امتياز على مينـاء بنزرت التجاري قصد بنائه واستغلاله (انطلاق تهيئة الميناء الحربي).
وفي 12 أفريل 1894، تم اعتمـاد حل مماثـل لإنجاز كل من مينـاء تونس العاصمة وسوسة نهائيا لإتمـام أشغال بناء مينـاء صفاقس. فحل الملتزمون محل شركة موانئ تونس المدينة وسوسة وصفاقس، علما وأنّ الملتزمين مطالبون بإنجـاز أشغال تسمح للسفن التي يبلغ غاطسها المائي ستة أمتار بالدخول إلى كلّ من تونس الحاضرة وسوسة وصفاقس.
ومنذ عام 1900، أصبحت تلك الموانئ تضم أرصفة من فئة 900 و450 و600 متر.
لا شك أن موانئ بنزرت وتونس/حلق الوادي وسوسة وصفاقس التي تقع تحت نظام اللزمة قد تحصلت على شكلها النهائي وبلغت نموّها التجاري قبيل الحرب العالمية الأولى.
فعهد تسيير هذه الموانئ الأربعة إلى مؤسسة عمومية، ألا وهي ديوان الموانئ، إلى غاية غرّة أفريل 1947، حيث تمّ إحداث وكالة الموانئ التجارية التي تتمتع باستقلالية التصرّف المالي.
غير أنّ الموانئ الرئيسية والثانوية أصبحت قبل اندلاع الحرب غير قادرة على تلبية حاجيات التجارة والملاحة التي تتطلبها الوضعيات الجديدة نذكر من بينها تنامي حجم الحمولات وتسارع تعاقب السفن وتواترها وتزويد سفن الصيد بمحرّكات، ممّا أدّى إلى إفراز متطلبات جديدة وإلى مراجعة المشاريع التي تمّ إعـدادها قبل الحرب.
وخلال الفترة الفاصلة بين نهاية تلك الحرب وحصول تونس على استقلالها، كانت سلسلة الموانئ تتركب من خمس وحدات هي تونس العاصمة وحلق الوادي وبنزرت وسوسة وصفاقس.